فصل: ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

ذكر وفاة بركيارق فـي هـذه السنة ثاني ربيع الآخر توفي السلطان بركيارق بن ملكشماه بن ألب أرسلان بن داود ابن ميكائيل بن سلجوق وكـان مرضـه السـل والبواسيـر وكـان بأصفهـان فسـار طالبـاً بغـداد فقوي به المرض في بروجرد فجمع العسكر وحلفهم لولده ملكشاه وعمره حينئذ أربع سنين وثمانية أشهر وجعل الأمير أياز أتابكه فحلف العسكر له وأمرهم بالمسير إلى بغداد وتوفي بركيارق ببروجرد ونقل إلى أصفهان فدفن بها في تربة عملتها له سريته ثم ماتت عن قريب فدفنـت بإزإئـه‏.‏

وكـان عمـر بركيـارق خمساً وعشرين سنة وكانت مدة وقوع السلطنة عليه اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهـر وقاسـى مـن الحـروب واختلـاف الأمـور عليـه مـا لـم يقاسـه أحـد واختلفـت بـه الأحـوال بيـن رخـاء وشـدة وملـك وزوالـه وأشـرف عـدة مرات على ذهاب مهجته في الأمور التي تقلبت به ولما استقام أمره وأطاعه المخالفون أدركته منيته واتفق أنه كلما خطب له ببغداد وقع فيها الغلاء وقاسى من طمع أمرائه فيه شدائد حتى إنهم كانوا يحضرون نوابه ليقتلوهم وكان صابراً حليماً كريماً حسن المداراة كثير التجاوز ولما مات بركيارق سار أياز بالعسكر ومعه ملكشاه بن بركيارق ودخلوا بغداد سابع عشر ربيع الآخر مـن هـذه السنـة وخطب لملكشاه بجوامع بغداد على قاعدة أبيه بركيارق‏.‏

ذكر قدوم السلطان محمد إلى بغداد لما بلغ محمداً موت أخيه بركيارق سار إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وبقي أياز وملكشاه بالجانب الشرقي وجمع أياز العسكر لقتال محمد ثم إن وزير أياز أشار عليه بالصلح ومشى بينهمـا واتفـق الصلـح وحضـر الكيـا الهراس مدرس النظامية والفقهاء وحلفوا محمد الأياز وللأمراء الذين معه وحضر أياز والأمراء إلى عند محمد وأحضروا ملكشـاه فأكرمـه وأكرمهـم وصارت السلطنة لمحمد وكان ذلك لسبع بقين من جمادى الأولى من هذه السنة واستمر الأمر على ذلك إلى ثامن جمادى الآخرة فعمل أياز دعوة عظيمة للسلطان محمد في داره ببغداد فحضر إليه وقدم له أياز أموالاً عظيمة وفي ثالث عشر جمادى الآخرة طلب السلطان أيازاً وأوقـف لـه فـي الدهليـز جماعـة فلما دخل ضربوه بسيوفهم حتى قتلوه وكان عمر أياز قد جاوز أربعين سنة وهو من جملة مماليك السلطان ملكشاه وكان غزير المروة شجاعاً وأمسك الصفي وزير أياز وقتل في رمضان وعمره ست وثلاثون سنة وكان من بيت رئاسة بهمذان‏.‏

ذكر وفاة سقمان فـي هـذه السنـة توفـي سقمان بن أرتق بن أكسب كذا ذكره ابن الأثير أنه أكسب بالباء وصوابه أكسك بكافين ذكر ذلك أيضاً ابن خلكان وكان وفاة سقمان في القريتين لأنه كان متوجهاً إلى دمشق باستدعاء طغتكين بسبب الفرنج ليجعله مقابلتهم بحكم مرض طغتكين فلحق سقمان الخوانيـق فـي مسيـره فتوفـي فـي القريتيـن فـي صفـر مـن هـذه السنـة وخلـف سقمـان اثنيـن همـا إبراهيـم وداود وحمل سقمان في تابوت إلى حصن كيفا فدفن به ولما مات سقمان كان مالكاً لحصن كيفا ماردين أما ملكه لحصن كيفا فقد ذكرنا ذلك وصورة تسليم موسى التركماني صاحب الموصل الحصن له لما استنجد به علـى جكرمـش وأمـا ملكـه مارديـن فنحـن نـورده مـن أول الحال‏.‏

وهو أن ماردين كان قد وهبها هي وأعمالها السلطان بركيارق لإنسان مغن ووقع حرب بين كربوغـا صاحـب الموصـل وبيـن سقمـان وكان مع سقمان ابن أخيه ياقوتي وعماد الدين زنكي ابن أقسنقـر وهـو إذ ذاك صبـي فانهـزم سقمـان وأخـذ ابـن أخيه ياقوتي أسيراً فحبسه كربوغا في قلعة ماردين وبقي ياقوتي في حبسه مدة فمضت زوجة أرتق إلى كربوغا وسألته في إطلاق ابن ابنها ياقوتي فأجابها كربوغا إلى ذلك وأطلقه فأعجبت ياقوتي ماردين وأرسل يقول لصاحبها المغني إن أذنت لي سكنت في ربض قلعتك وجلبت إليها الكوبات وحميتهـا مـن المفسديـن ويحصل لك بذلك النفع فأذن له المغني بالمقام في الربض فأقام ياقوتي بماردين‏.‏

وجعل يغير من باب خلاط إلى بغداد ويستصحب معه حفاظ قلعة مارديـن ويحسـن إليهـم ويؤثرهـم علـى نفسه فاطمأنوا إليه وسار مرة ونزل معه أكثرهم فقيدهم وقبضهم وأتى إلى باب قلعة ماردين ونادى من بها من أهليهم إن فتحتم الباب وسلمتم إلي القلعة وإلا ضربت أعناقهم جميعهم فامتنعوا فأحضر واحداً منهم وضرب عنقه ففتحوا له باب القلعة وتسلمهـا ياقوتـي وأقام بها ثم جمع ياقوتي جمعاً وقصد نصيبين ولحقه مرض حتـى عجـز عـن لبـس السلـاح وركوب الخيل وحمل على فرسه وركبه فأصابـه سهـم فسقـط ياقوتـي منـه ومـات ثـم ملـك ماردين بعد ياقوتي أخوه علي وصار في طاعته جكرمش صاحب الموصل واستخلف على ماردين بعض أصحابه وكان اسمه علياً أيضاً فأرسل علي يقول لسقمان‏:‏ إن ابن أخيك يريد أن يسلم ماردين إلى جكرمش فسار سقمان بنفسه وتسلم ماردين فطالبه ابن أخيه علي بردها إليـه فلـم يفعـل سقمـان ذلـك وأعطـاه جبل جور عوضها واستقرت ماردين وحصن كيفا لسقمان حتـى سـار إلـى دمشـق ومـات بالقريتيـن فصـارت مارديـن لأخيـه أيلغـازي بـن أرتـق وصارت حصن كيفا لابنه إبراهيم بن سقمان المذكور وبقي إبراهيم بن سقمان مالكاً لحصن كيفـا حتـى توفـي وملكهـا بعـده أخوه داود بن سقمان حتى توفي وملكها بعدهما قرا أرسلان بن داود حتى توفي في سنة اثنتين وستين وخمسمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفي هذه السنة اجتمعت الحجاج من الهند وما وراء النهر وخراسان وغيرها وساروا فلما وصلوا جوار الري أتاهم الباطنية وقت السحر فوضعوا فيهم السيف وقتلوهم ونهبوا أموالهم ودوابهم وفيها كانت وقعة بين فرنج أنطاكية والملك رضوان بن تنش صاحـب حلـب عنـد شيـزر فانهـزم المسلمـون وأسـر وقتـل منهـم كثيـر واستولـى الفرنج على أرتاح‏.‏

وفيها توفي محمد بن علـي بـن الحسن المعروف بابن أبي الصقر كان فقيهاً شافعياً وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وغلب عليه الشعر فاشتهر به فمن قوله لما كبر‏.‏

ابن أبي الصقر افتكر وقال في حال الكبر لما ذكرت أن لي ما بين فخـذي ذكـر وكانت ولادته في نحو سنة سبع وأربعمائة‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وتسعيـن وأربعمائـة

في هذه السنة سار سيف الدولة صدقة بن مزيد من الحلة إلى البصرة فملكها‏.‏

ذكر اتصال ابن ملاعب بملك أفامية واستيلاء الفرنج عليها‏:‏ كان خلف بن ملاعب الكلابي صاحب حمص وكان رجاله وأصحابه يقطعون الطريق على الناس فكان الضرر بهم عظيماً فسار صاحب دمشـق تنـش بـن ألـب أرسلـان إليـه وأخـذ حمـص منـه كمـا تقـدم ذكـره فـي سنـة خمـس وثمانين وأربعمائة ثم تقلبت بخلف بن ملاعب المذكور الأحـوال إلى أن دخل مصر وأقام بها واتفق أن متولي أفامية من جهة رضوان بن تنش صاحب حلـب كـان يميـل إلـى مذهـب خلفـاء مصر فكاتبهم في الباطن في أن يرسلوا من يسلم إليه أفامية وقلعتها فطلب ابن ملاعب أن يكون هو الذي يرسلونه لتسليم أفامية فأرسلوه وتسلم أفامية وقلعتها فلما استقر خلف بن ملاعب الكلابي المذكور بأفامية خلع طاعة المصريين ولم يرع حقهـم وأقـام بأفاميـة يقطـع الطريـق ويخيـف السبيـل فاتفـق قاضـي أفاميـة وجماعـة مـن أهلها وكاتبوا الملك رضوان صاحب حلب في أن يرسل إليهم جماعة ليكبسوا أفامية بالليل وأنهم يسلمونهـا إليهـم فأرسـل رضـوان مائـة فأصعدهـم القاضـي والمتفقـون معـه بالحبـال إلى القلعة فقتلوا ابن ملاعب وبعض أولاده وهرب البعض واستولوا على قلعة أفامية ثم سار الفرنج إلى أفامية وحاصروها وملكوا البلد والقلعة وقتلوا القاضي المتغلب عليها‏.‏

ذكر حال طرابلس مع الفرنج كان صنجيل قد ملك مدينة جبلة ثم سار وأقام على طرابلس فحصرها وبنى بالقرب منها حصناً وبنى تحته ربضـاً وهـو المعـروف بحصـن صنجيـل فخـرج الملـك أبـو علـي بـن عمـار صاحب طرابلس فأحرق الربـض ووقـف صنجيـل علـى بعـض سقوفـه المحرقـة فانخسـف بـه فمرض صنجيل لعنه الله من ذلك وبقي عشرة أيام ومات وحمل إلى القدس ودفن فيها ودام الحـرب بيـن أهـل طرابلس والفرنج خمس سنين وظهر من صاحبها ابن عمار صبر عظيم وقلت الأقوات بها وافتقرت الأغنياء‏.‏

  ثم دخلت سنة خمسمائة

ذكر وفاة يوسف بن تاشفين فـي هـذه السنـة توفـي أميـر المسلميـن يوسـف بـن تاشفين ملك الغرب والأندلس وكان حسن السيرة وكـان قـد أرسـل إلى بغداد فطلب التقليد من المستظهر خليفة بغداد فأرسل إليه الخلع والتقليد ويوسف المذكور هو الذي بنى مدينة مراكش ولما مات يوسف ملك البلاد بعده ابنه علي بن يوسف بن تاشفين وتلقب أيضاً بأمير المسلمين‏.‏

  ذكر قتل فخر الدولة بن نظام الملك

في هذه السنة قتل فخر الدولة أبو المظفر علي بن نظام الملك يوم عاشوراء وكان أكبر أولاد نظام الملك وزّر لبركيارق ثم لأخيه سنجر بن ملكشاه وكان قد أصبح في يوم قتل صائماً بنيسابـور‏.‏

وقـال لأصحابـه‏:‏ رأيـت الليلـة فـي المنـام الحسين بن علي وهو يقول‏:‏ عجل إلينا وليكن إفطارك عندنا وقد اشتغل فكري ولا محيد عن قضاء الله تعالى‏.‏

فقالوا الصواب أن لا تخرج اليوم فأقام يومه يصلي ويقرأ القران وتصدق بشيء كثير وخرج العصر من الدار التي كان بها يريد دار النساء فسمع صياح متظلم شديد الحرقـة فأحضـره وقـال‏:‏ مـا حالـك فدفـع رقعـة فبينمـا فخـر الدولة يتأملها إذ ضربه بسكين فقتله‏.‏

وأمسك الباطني وحمل إلى السلطان سنجر فقرره فأقر على جماعة كذباً فقتل هو وتلك الجماعة‏.‏

ذكر ملك صدقة تكريت في هذه السنة ملك سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد قلعة تكريت سلمها إليه كيقباذ بن هزارسب الديلمي وكانت تكريت لبني مقن برهة من الزمان ثم خرجت عنهم وتنقلت في أيدي غيرهم حتى صارت لأقسنقر صاحب حلب ثم لكوهراتين ثم لمجد الملك البلاساني فولى عليها كيقباذ المذكور وبقيت في يده حتى سلمها في هذه السنة لصدقـة المذكور‏.‏

ذكر ملك جاولي الموصلي وموت جكرمش وقليج أرسلان فـي هذه السنة أقطع السلطان محمد جاولي سقاوة الموصل والأعمال التي بيد جكرمش فسار جاولي حتى قارب الموصل فخرج جكرمش لقتاله في محفة لأنه كان قد لحقه طرف فالج واقتتلا وانهزم عسكر جكرمش وأخذ جكرمش أسيراً من المحفة وسار جاتولي بعد الوقعة وحصر الموصل وكان قد أقـام أصحـاب جكرمـش زنكـي بـن جكرمـش وملـك الموصـل ولـه إحـدى عشـرة سنـة وبقـي جاولـي يطـوف بجكرمش حول الموصل أسيراً وهو يأمرهم بتسليم البلد فلم يقبلوا منه ومات جكرمش في تلك الحال وعمره نحو ستين سنة وكان قد عظم ملك جكرمش وهـو الـذي علـى سـور الموصـل وحصنهـا وكاتـب أهـل الموصـل قليـج أرسلـان بـن سليمان بن قطلمش السلجوقي صاحب بلاد الروم يستدعونـه فسـار قاصـد الموصـل‏.‏

فلمـا وصـل إلـى نصيبين رحل جاولي عن الموصل خوفاً منه وسار إلى الرحبة ووصل قليج أرسلان إلى الموصل وتسلمها في الخامس والعشرين من رجب من هـذه السنـة ثـم استخلـف قليـج أرسلان ابنه ملكشاه بن قليج أرسلان على الموصل وعمره إحدى عشرة سنة وأقام معه أميراً يدبـره وسـار قليج أرسلان إلى جاولي وكان قد كثر جمع جاولي واجتمع إليه رضوان صاحب حلـب وغيـره ولمـا وصـل قليـج أرسلـان إلـى الخابور وصل إليه جاولي واقتتلوا في العشرين من ذي القعدة وقاتل قليج أرسلان بنفسه قتـالاً عظيمـاً فانهـزم عسكـره واضطـر قليـج أرسلـان إلـى الهروب فألقى نفسه في الخابور فغـرق وظهـر بعـد أيـام ودفـن بالشميسانيـة وهـي مـن قـرى الخابور ولما فرغ جاولي من الوقعة سار إلى الموصل فسلمت إليه بالأمان وسار ملكشاه بن قليج أرسلان إلى عند السلطان محمد‏.‏

  ذكر قتل الباطنية

فـي هـذه السنـة حاصـر السلطـان محمـد قلعـة الباطنيـة التي بالقرب من أصفهان التي بناها ملكشاه بإشارة رسول ملك الروم على ما قدمنا ذكره وكان اسم القلعة شاه دز وكانت المضرة بها عظيمة وأطال عليها الحصار ونزل بعض الباطنية بالأمان وساروا إلى باقـي قلاعهـم وبقـي صاحـب شـاه دز واسمـه أحمـد بـن عبـد الملك بن عطاش مع جماعة يسيرة فزحف السلطان عليه وقتله وقتل جماعة كثيرة من الباطنية وملك القلعة وخربها‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الأميـر شرخـاب بـن بـدر بن مهلهل المعروف بابن أبي الشوك الكردي وكان له أموال وخيول لا تحصى وقام مقامه بعده أخوه منصور بن بدر وبقيت الإمارة في بيته مائة وثلاثين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وخمسمائة

ذكر مقتل صدقة فـي هـذه السنـة فـي رجـب قتـل سيـف الدولـة صدقـة بـن منصـور بـن دبيـس بـن مزيد الأسدي أمير العـرب فـي قتـال جـرى بينـه وبيـن السلطـان محمـد واشتـد القتـال بينهـم وقتـل صدقه في المعركة بعد أن قاتل قتالاً شديداً وحمل رأسه إلى السلطان محمد وكان عمر صدقة تسعاً وخمسين سنة وإمارته إحدى وعشرين سنة وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس وكان صدقة متشيعـاً وهـو الـذي بنـى الحلـة بالعـراق‏.‏

وأقـول‏:‏ إنـه قد تقدم ذكر الحلة قبل وجود صدقة المذكور فكيف يكون هو الذي بناها لكن كنا نقلناه من الكامل لابن الأثير وكان قد عظم شأنه وعلا قدره واتسع جاهه واستجار به صغار الناس وكبارهم وكان مجتهداً في النصـح للسلطـان محمد حتى أنه جاهر بركيارق بالعداوة ولم يبرح على مصافاة محمد ثم فسد ما بينهما حتى قتل صدقة كما ذكرنا وكان سبب الفساد بينهما حماية صدقة لكل من خاف من السلطان واتفق أن السلطان محمد أغضب على أبي دلف شرخاب بن كيخسرو صاحب ساوة فهرب صاحب ساوة المذكور واستجار بصدقة وأرسل السلطان يؤكد في إرساله وطلبه فلم يفعل صدقة أن يسلمه فسار إليه السلطان واقتتلوا كما ذكرنا فقتل صدقة وأسر ابنه دبيـس بـن صدقة وأسر شرخاب صاحب سارة المذكور‏.‏

ذكر وفاة تميم بن المعز فـي هـذه السنـة فـي رجـب توفـي تميـم بـن المعز بن باديس صاحب إفريقية وكان تميم ذكياً حليماً وكان ينظم الشعر وكان عمره تسعاً وسبعين سنة وكانت ولايته ستاً وأربعين سنة وعشرة أشهـر وعشريـن يوماً وخلّف من الأولاد مائة ابن أربعين ذكراً وستين بنتاً‏.‏

ولما توفي ملك بعده ابنه يحيى بن تميم وكان عمر يحيى حين ولي ثلاثاً وأربعين سنة وستة أشهر‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توجه فخر الملك أبو علي بن عمار من طرابلس إلى بغداد مستنفراً لما حل بطرابلس وبالشام مـن الفرنـج واجتمـع بالسلطـان محمـد وبالخليفـة المستظهـر فلـم يحصـل منهمـا غـرض فعـاد إلـى دمشـق وأقـام عنـد طغتكيـن وأقطعـه الزبداني وأما طرابلس فإن أهلها دخلوا في طاعة خليفة مصر وخرجوا عن طاعة ابن عمار وكان من أمر طرابلس ما سنذكره‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وخمسمائة

في هذه السنة أرسل السلطان محمد عسكراً فيهم عدة من أمرائـه الكبـار مـع أميـر يقـال لـه مودود بن الطغتكين إلى الموصل ليأخذوها من جاولي فوصلوا إلى الموصـل وحصروهـا وتسلمهـا الأميـر مـودود في صفر وأما جاولي فإنه لم ينحصر بالموصل وهرب إلـى الرحبة قبل نزول العسكر عليها ثم سار جاولي مجداً ولحق السلطان محمداً قريب أصفهان وأخذ كفنه معه ودخل عليه وطلب العفو فعفا عنه وأمّنه‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث فـي هذه السنة تولى مجاهد الدين بهروز شحنكية بغداد ولاه إياها السلطان محمد وأمر بهروز بعمارة دار المملكة ببغداد ففعل بهروز ذلك وأحسن إلى الناس وكان السلطان لما ولـاه فـي أصفهان ثم لما قدم السلطان إلى بغداد ولى بهروز شحنكية العراق جميعه‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي فصـح النصـارى نـزل الأمـراء بنـو منقـذ أصحـاب شيزر منها للتفرج على عيد النصـارى فثـار جماعـة مـن الباطنية في حصن شيزر فملكوا قلعة شيزر وبادر أهل المدينة إلى الباشورة وأصعدهم النساء بالحبال من الطاقات وأدركهم الأمراء بنو منقذ ووقع بينهم القتال فانخـذل الباطنيـة وأخذهـم السيـف كـل جانـب فلـم يسلـم منهم أحد‏.‏

وفي هذه السنة في جمادى الآخرة توفي الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي أحد أئمة اللغة‏.‏

قرأ على أبي العلاء سليمان المعري وضيره وسمع الحديث بمدينة صور من الفقيه سليم بن أبو الـرازي وغيـره‏.‏

وروى عنه أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي وغيره وتخرج عليه خلق كثير وتتلمذوا له قال في وفيات الأعيان‏:‏ وقد روي أنه لم يكن بمرضي الطريقة وشرح الحماسة وديوان المتنبي وله في النحو مقدمة وهي عزيزة الوجود وله في إعراب القرآن كتاب سماه المخلص في أربع مجلدات وله غير ذلك التواليف الحسنة المفيدة سافر من تبريز إلى المعرة لقصد أبـي العـلاء ودخـل مصـر فـي عنفـوان شبابـه وقـرأ بهـا علـى طاهـر بـن بايشـاذ ثـم عـاد إلـى بغـداد واستوطنهـا إلى الممـات وكانـت ولادته سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وتوفي فجأة في التاريخ المذكور ببغداد‏.‏

وفيها توفي أبو الفوارس الحسن بن علي الخازن المشهور بجودة الخط وله شعر حسن‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وخمسمائة

فـي هـذه السنـة فـي حـادي عشـر ذي الحجـة ملك الفرنج مدينة طرابلس لأنهم ساروا إليها من كل جهة وحصروها في البر والبحر وضايقوها من أول رمضان وكانت في يد نواب خليفة مصر العلوي وأرسل إليها خليفة مصر أسطولاً فرده الهواء ولم يقدر على الوصـول إلـى طرابلـس ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وملكوها بالسيف فقتلوا ونهبوا وسبوا وكان بعض أهل طرابلس قد طلبوا الأمان وخرجوا منها إلى دمشق قبل أن يملكها الفرنج‏.‏

ثم في دخلت سنة أربع وخمسمائة في هذه السنة ملك الفرنج مدينة صيدا في ربيع الآخر وملكوهـا بالأمـان وفيها سار صاحب‏.‏

أنطاكية مع من اجتمع إليه من الفرنج إلى الأثارب وهي بالقرب من حلب وحصروهـا ودام القتـال بينهـم ثـم ملكوهـا بالسيـف وقتلـوا مـن أهلهـا ألفـي رجل وأسروا الباقين ثم ساروا إلى ذردنا فملكوها بالسيف وجرى لهـم كمـا جـرى لأهـل الأثارب ثم سـار الفرنـج إلـى منبـج وبالـس فوجدوهمـا قـد أخلاهمـا أهلهمـا فعـادوا عنهمـا وصالـح الملـك رضـوان صاحـب حلـب الفرنـج علـى اثنين وثلاثين ألف دينار يحملها إليهم مع خيول وثيـاب ووقـع الخـوف فـي قلـوب أهـل الشـام مـن الفرنـج فبذلـت لهـم أصحـاب البلـاد أموالاً وصالحوهم فصالحهم أهل مدينة صور على سبعة آلاف دينار وصالحهم إبن منقذ صاحب شيزر على أربعة آلاف دينار وصالحهم علي الكردي صاحب حماه على ألفي دينار‏.‏

وفي هذه السنة توفي الكيا الهراسي الطبري والكيا بالعجمية‏:‏ الكبير القدر المقدّم بين الناس واسمه أبو الحسن علي بن محمـد بـن علـي ومولـده سنـة خمسيـن وأربعمائـة وكـان مـن أهـل طبرستان وخرج إلى نيسابور وتفقه على إمام الحرمين وكان حسن الصورة جهوري الصوت فصيح العبارة ثم خرج إلى للعراق وتولى تدريس النظامية‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وخمسمائة قال ابن خلكان في ترجمة الآمر منصور العلوي وقيل في سنة إحدى عشرة وخمسمائة قصد بردويل الفرنجي الديار المصرية فانتهى إلى الفرما ودخلهـا وأحرقهـا وأحـرق جامعهـا ومساجدهـا ورحـل عنهـا راجعـاً إلـى الشام وهو مريض فهلك في الطريق قبل وصوله إلى العريش فشقه أصحابه ورموا حشوته هناك فهي ترجم إلى اليرم ورحلوا بجثته فدفنوها بقمامة وسبخة بردويل التي في وسط الرمل على طريق الشام منسوبة إلى بردويل المذكور والناس يقولون عن الحجارة الملقاة هناك إنها قبر بردويل وإنما هي هذه الحشوة وكان بردويل المذكور صاحب بيت المقدس وعكا ويافا وعدة من بلاد ساحل الشام وهو الذي أخذ هذه البلاد المذكورة من المسلمين‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وخمسمائة

فيهـا جهـز السلطـان محمـد عسكـراً فيـه صاحـب الموصـل مودود وغيره من صحاب الأطراف إلى قتال الفرنج بالشام فسـاروا ونزلـوا علـى الرهـا فلـم يملكوها فرحلوا ووصلوا إلى حلب فخاف منهم الملك رضوان بن تنش صاحب حلب وغلق بواب حلب ولم يجتمع بهم ولا فتح لهم أبواب المدينة فساروا إلى المعرة ثم افترقوا ولم يحصل لهم غرض‏.‏

وفـي هـذه السنة في جمادى الآخرة توفي الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الملقب حجة الإسلـام زيـن الديـن الطوسـي اشتغـل بطـوس ثـم قـدم نيسابـور واشتغـل علـى إمام الحرمين واجتمـع بنظـام الملك فأكرمه وفوض إليه تدريس مدرسة النظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ثم ترك جميع ما كان عليه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وسلك طريق التزهد والانقطـاع وحج وقصد دمشق وأقام بها مدة ثم انتقل إلى القدس واجتهد في العبادة ثم قصد مصر وأقام بإسكندرية مدة ثم عاد إلى وطنه بطوس وصنف الكتب المفيدة المشهورة منها البسيط والوسيط والوجيز والمنخول والمنتخل فـي علـم الجـدل وكانـت ولادتـه سنـة خمسيـن وأربعمائة ونسبه إلى طوس من خراسان وطوس مدينتان تسمى إحداهما طابران والأخرى نوقـان والغزالـي نسبـة إلـى الغـرال والعجـم تقـول فـي القصّـار قصـاري وفي الغزال غزالي وفي العطار عطاري‏.‏